عندما بدأت في العمل الحر، كنت أركز على الفوز بالمشاريع حتى لو كان ذلك مقابل سعر منخفض. وأحيانًا أتردد في مناقشة السعر خوفًا من خسارة العميل. لكنني أدركت مع الوقت أن طريقة تفاوضي تعكس قيمتي المهنية أكثر من الرقم الذي أطلبه.
التفاوض عملية تواصل ذكية تربط فيها خبراتك مع احتياجات العميل. وكلما عرفت كيف تتفاوض بثقة، زادت فرص نجاح تواصلاتك مع العملاء، مما يكسبك مشاريع مربحة، وعلاقات طويلة الأمد، ويؤثر إيجابًا على حساباتك. أشاركك الخطوات التي حسنت طريقة تفاوضي.
عندما تبرز ما الذي سيعود على العميل عندما يعمل معك، يتحول الحديث من تكلفة إلى استثمار في الجودة، والعميل يقتنع بالسعر عندما يرى عائد الاستثمار الذي يستحقه. فيتغير تساؤله من "لماذا السعر مرتفع؟" إلى :"ما الذي سأجنيه مقابل ذلك؟".
تذكر أن العميل قد لا يعرفك جيدًا، وهنا مساحتك لتقنعه لماذا أنت الخيار الأفضل لإنجاز مشروعه بالتكلفة اللازمة. استعرض خبراتك المتعلقة بمتطلبات المشروع، مثل نموذج عمل مشابه، أو سنوات الخبرة في التقنيات المطلوبة، أو عدد العملاء الراضين بخدمتك، أو نتائج ملموسة حققتها.
ولا تنس الجوانب التي تصنع تجربة عمل مريحة، مثل التزامك بالمواعيد، ومرونتك في التواصل، وطريقتك في تبسيط العمل المعقد. هذه التفاصيل الصغيرة ترفع ثقة العميل وتهمه.
يهتم العميل بالنتيجة التي سيحصل عليها، أكثر من عدد الساعات أو التفاصيل التقنية الموجودة خارج نطاق خبرته. لذلك، عندما تتحدث عن عملك، لا تركز على كم كلمة ستكتب أو الوقت الذي ستخصصه للمشروع من يومك، بل كيف ستحقق هدفه.
كلما ربطت عملك بنتائج قابلة للقياس، مثل نسبة تحويل، زيارات عضوية، تفاعل، أصبح السعر منطقيًا أكثر. فلا تقل مثلًا: "أكتب محتوى عالي الجودة" بل "أكتب محتوى يرفع ظهورك في بحث جوجل ويزيد التسجيل بنشرتك البريدية".
وكي تزيد إقناعه، قدم دليلًا مثل نموذج عمل مشابه، مشروع شخصي، أو نموذج تجريبي. واعرض طريقة العمل ليثق العميل بمنهجك ويتضح له. فتخبره مثلًا أنك ستبدأ بالبحث قبل وضع خطة عمل، وخلال التنفيذ ستتابع معه أولًا بأول، وستكون منفتحًا على أي تعديلات خلال هذه المرحلة.
المعرفة قوة في التفاوض. وعندما يشعر العميل أنك تفهم عمله وتفكر مثله، تزيد احتمالية قبوله للسعر من أول مرة. قبل أن ترسل عرضك، خذ وقتًا في تفحّص المعطيات التي وفرها العميل، مثل الموقع أو حسابات السوشيال ميديا، أو حتى نماذج أعجبته، فهنا ستعرف ما الذي يبحث عنه، وتتمكن من ربط عرضك باحتياجاته الحقيقية.
في مرة تواصل معي عميل لكتابة مقالات تقنية، وعرض ميزانية منخفضة موضحًا أن هذا المبلغ الذي يدفعه بالمعتاد. راجعت المقالات السابقة في المدونة، ولاحظت صعوبة في تبسيط الشرح رغم أنها مهارة مطلوبة لإنجاز العمل بالنسبة له. أشرت للأمر وأهمية معالجته، ثم كيف يمكنني التحسين. هذه الملاحظة الصغيرة جعلته يقتنع بسعر أعلى مقابل جودة أفضل.
المرونة لا تعني التنازل، بل الذكاء في إيجاد حل وسط يرضي الطرفين. فقد تقبل بتخفيض السعر مقابل حجم عمل أقل، أو تمديد الجدول الزمني، وغير ذلك.
وكمستقل مبتدئ، قد تحتاج أحيانًا لتقديم تنازلات بسيطة بذكاء لبناء خبرتك أو علاقاتك. لكن المفتاح هو أن تعرف أولوياتك: هل تحتاج هذه الفرصة لتوسيع معرض أعمالك؟ أم الدخل أهم الآن؟ أم أنها تجربة تعليمية تستحق؟ هكذا ستعرف على ماذا تفاوض.
دعنا نتفق أن التفاوض لا يقتصر على سعر المشروع، بل يشمل تفاصيل أخرى يتأثر بها سير العمل، مثل المهام، المدة، عدد المراجعات وغيرها. ولأن الوضوح يصنع الثقة والتفاهم، أنصحك قبل البدء بالمشروع التأكد أن كل هذه التفاصيل متفق عليها وموثقة.
بهذا الشكل، لا تترك مساحة لسوء الفهم أو الخلاف لاحقًا. والعميل الجيد سيقدّر احترافيتك أكثر.
أثناء التفاوض في المشروع، فكّر في ثلاثة عوامل: مجال تحبه، يدرّ دخلًا جيدًا، تتعلم منه. ليس كل مشروع يحقق الثلاثة، لكن على الأقل اختر مشروعًا يحقق اثنين منها.
هكذا ستعرف متى ينبغي الانسحاب لحماية وقتك وسمعتك من مشاريع تستهلكك بدون مقابل. وإذا شعرت أن العميل لا يقدّر عملك أو يقلل من سعرك، اعتذر عن العمل بلطف؛ لتترك مساحة لمشروع أفضل وأعمق تأثيرًا.
أخيرًا، مهارة التفاوض تنمو مع تجاربك في التواصل وإنجاز المشاريع، كل تواصل جديد مع عميل كان فرصة للتعلم وتحسين مهاراتي في الإقناع، والمشاريع التي عملت عليها ساعدتني في بناء معرض أعمال يجعلني أتفاوض بثقة.